القلب في الاسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
القلب في الطب
القلب تشريحيا
القلب مضخة تستقبل الدم الوارد من أعضاء الجسم المختلفة لتدفعه إلى الرئتين لتنقيته عن طريق التنفس من ثانى أكسيد الكربون الناتج عن مختلف عمليات الجسم الحيوية (والذى إذا تشبع به الجسم تعطلت الخلايا عن العمل وأدى إلى ظهور أعراض مرضية مختلفة تسمى بالتخدير الكربونى) ، ثم لاستخلاص الأكسجين من الهواء الذى نستنشقه لتعويض الدم ما فقده من أكسوجين لازم للعمليات الحيوية المختلفة . ويعود هذا الدم النقى المشبع بالأكسجين من الرئتين إلى القلب ليضخه إلى مختلف أعضاء الجسم ، ويغذيها ليس فقط بما يلزمها من أكسجين بل أيضا بالمواد الغذائية من زلاليات وسكريات ودهنيات ، وبما يلزمها من هورمونات وفيتامينات لازمة لعملياتها الحيوية المختلفة ، و مرور الدم على الكليتين يخلص الجسم عن طريق البول من الأحماض الناتجة عن مختلف العمليات الحيوية .
انقباض وانبساط القلب
وانقباض القلب وانبساطه فى انتظام متوال وبسرعة طبيعية ذاتية ، تجعله على أعلى درجة من الكفاءة الوظيفية ، فإذا اختل هذا النظام أو أسرع أو أبطأ لسبب أو لآخر ، تأثرت كفاءة أداء القلب تماما كما يختل أداء موتور السيارة إذا لم تتناسب السرعة مع الأداء الواجب أو اختل نظام الشرارة الكهربائية اللازمة للاحتراق . و تتأثر سرة القلب الذاتية ونظمه بأمراض تصيبه ، وتتأثر أيضا بعوامل خارجية دون مرض بالقلب ، فيسرع القلب عند المجهود الجسمانى و مع الانفعالات ، و يبطىء عند النوم و الراحة . كما تتأثر نظم القلب بالانفعال و التوتر النفسى و عسر الهضم ، كالانتفاخات التى تصيب الانسان بعد أكلة دسمة يصعب هضمها ، و لا تعنى بالضرورة مرضا فى القلب بل كثيرا ما تحدث فى قلب سليم تماما .
تغذية القلب بالدم
وكما يغذى القلب أعضاء الجسم المختلفة بالدم اللازم لها ، فإنه يغذى عضلته عن طريق شريانين -الشريان التاجى الأيسر والشريان التاجى الأيمن- وهما يخرجان من الشريان الأورطى بعد مسافة قصيرة من الصمام الأورطى . و يغذى الشريان التاجى الأيسر الجانب الأمامى و الأيسر من القلب عن طريق فرعه الأمامى و الجزء الخلفى من القلب عن طريق فرعه الخلفى . و يغذى الشريان التاجى الأيمن الجانب الأيمن من القلب وجداره الخلفى . و يعود الدم منهما عن طريق وريد خاص بالقلب يصب الدم الوارد منه فى الأذين الأيمن ليأخذ طريقه إلى الرئتين لتنقيته كبقية أعضاء الجسم . وتتصل الفروع الرئيسية للشرايين التاجية بوصلات شريانية تفيد فى سريان الدم إذا ما أبطء سيره فى فرع من الفروع نتيجة لضيق مرضى فيه .ويقع معظم العبء فى أداء القلب على البطين الأيسر الذى يدفع الدم بقوة ضغط عالية ليغذى الجسم كله ، أما البطين الأيمن فلا يتطلب أداؤه لدفع الدم إلى الرئتين غير ربع قوة الضغط التى يقوم بها البطين الأيسر ولذلك فسمك البطين الأيسر أكبر بكثير من سمك البطين الأيمن . ويتأثر البطين الأيسر وشرايينه التاجية بالأمراض أكثر من تأثر البطين الأيمن .
غشاء التامور
و يحاط القلب داخل القفص الصدرى بغلاف هو ما نسميه بـ "غشاء التامور" يسهل عليه الحركه و الأداء داخل القفص الصدرى ، و تصيب هذا الغشاء أمراض مختلفة تؤثر على كفاءة أداء القلب .
القلب في الاسلام
ورد فى تفسير الامام الطبرى ان العرب قد نقلت هذا المصدر لهذا العضو الشريف من كلمة التزمت فيها تفخيم قافه للتفريق بينه وبين أصله- وقد روى أبن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مثل القلب مثل ريشة تقلبها الرياح بفلاة ) اى صحراء وفى هذا المعنى كان عليه الصلاة والسلام يقول : ( اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله مع عظيم قدره وجلال منصبه فنحن أولى بذلك أقتداء به قال الله تعالى : (وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) اى ما يتمنى ويشتهى وان الجوارح الخمس وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب -وإن كان رئيسها وملكها- بأعمالها للأرتباط الذي بين الظاهر والباطن قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسود قلبه) وروي الترمذي وصححه عن أبي هريرة : ( أن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقل قلبه ) قال : وهو الرين الذي ذكره الله تعالى في قرآنه الكريم فى صورة المطففين ( كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون) وقال مجاهد : القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب إصبع ثم يطبع . وقوله عليه السلام : ( إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) دليل على أن الختم يكون حقيقيا والله أعلم وقد قيل : إن القلب يشبه الصنوبرة وهو يعضد قول مجاهد والله أعلم وقد روى مسلم عن حذيفة قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر : حدثنا ( أن الأمانة قد نزلت في جذر قلوب الرجال ) ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال : ( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر د حرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصى فد حرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة ) . وانتهى هنا كلام القرطبى- ونعود لنقول انه من الثابت والبديهى ان الانسان قد خلقه الله تعالى من مادة وروح وان المادة لاتنفصل عن الروح الا عند الموت واذا كنا بصدد انتهاج اسلوب علمى فى هذا الشأن فلابد ان نبدأ بالحديث عن علم قد اوضح لنا بعض خفايا هذا الامر وهو علم التشريح وليكن ذلك فى وصف سريع وبسيط .
جاء فى كتاب مفتاح دار السعادة
ان القلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لامره ولم تبق فيه منازعة ولا معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله لا يريد الا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله- فالله وحده غايته وامره وشرعه وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم انه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك وسليم من البدع وسليم من الغي وسليم من الباطل وكل الاقوال التي قيلت في تفسيره فذلك يتضمنها وحقيقته انه القلب الذي قد سلم لعبودية ربه حياء وخوفا وطمعا ورجاء ففنى بحبه عن حب ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وسلم لامره - وقد قال تعالى فى محكم آياته ( يوم لا ينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم ) .
عبادة القلب
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ان العبادة اصلها عبادة القلب والذى تتبعه كل الجوارح فإن القلب هو الملك والاعضاء
جنوده وهو المضغة التى اذا صلحت صلح لها سائر الجسد واذا فسدت فسد لها سائر الجسدأما بالنسبة للمشاعر فهى قد تكون انفعالات مؤقتة بسبب حادث معين يتعرض له الانسان كالحزن عند وفاة حبيب والفرح عند النجاح وهى مشاعر تزول بزوال المؤثر ولاتعود الا عند التذكر وكم ترى الابتسام يعترى المرء احيانا لمرور ذكرى حلوة على مخيلته وأما الشعور الحقيقى -اذا ماكان صادقا- فانه ما أستقر استقرارا راسخا فى اعماق القلب وظهرت آثاره جلية على باقى الجوارح ومن االناس من يدعى الايمان ولكنه يعبد الله تعالى على حرف فإذا مرت به نائبة انقلب على عقبيه واذا لم يستعمل العضو فى حقه بل ترك فذلك خسران وصاحبه مغبون وإن استعمل فى خلاف ما خلق له فهو الضلال وصاحبه من الذين بدلوا نعمة كفرا ثم ان سيد الاعضاء ورأسها هو القلب كما سمى قلبا قال النبى صلى الله عليه وسلم( إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلهواذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب )وقال صلى الله عليه وسلم( الاسلام علانيه والايمان فى القلب ثم اشار بيده الى صدره وقال الا إن التقوى ها هنا الا إن التقوى ها هنا )-وهكذا خلق القلب للعلم( لان يعلم به) فتوجهه نحو الاشياء ابتغاء العلم بها كما خلق للفكر والنظر كما ان اقبال الاذ ن على الكلام ابتغاء سمعه هو الاصغاء والاستماع وانصراف الطرف الى الاشياء طلبا لرؤيتها هو النظر فالفكر للقلب كالاصغاء للأذن ومثله نظر العينين فيما سبق وإذا علم ما نظر فيه فذلك مطلوبه كما أن الأذ ن كذلك إذا سمعت ما اصغت اليه او العين إذا ابصرت ما نظرت إليه وكم من ناظر مفكر لم ليحصل العلم ولم ينله كما انه كم من ناظر إلى الهلال لايبصره ومستمع إلى صوت لا يسمعه ( وهو الذى خلق لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون)
الاسلام علانية والتقوى فى القلب
ولعل الخطاب واضح فى معنى قوله تعالى( قالت الاعراب آمنا) فكان الرد عليهم من الله تعالى انهم مازالوا فى مرحلة الاسلام ولم يدخل الايمان بعد ويستقر فى قلوبهم أذ أن من الواضح والجلى أن مرحلة تنفيذ المنهج المظهرى للإسلام مثل تأدية العبادات كالصلاة ليست هى نهاية المطاف بل لابد من الايمان القلبى وراء كل شعيرة من شعائر ولعل هذا ما قصد بالنية والنية كما نعلم محلها القلب والله اعلم
وليس الامر يقف عند هذا الحد بل يتعداه الى كافة المشاعر الانسانية مثل الرحمة والحب والايثار وفى المقابل نرى فى القلوب المريضة المشاعر غير النبيلة مثل الحقد والحسد والكبر و حب الشهوات لذلك كان القلب هو الوعاء الشامل لكل هذه المشاعر فان صلح صلح الجسد كله وان فسد كان الخراب والدمار فالقلب الصادق تتجلى فى وجه حامله ملامحه المضيئة واذا كان المنافق يستطيع ان يسحرك بكلماته العذاب فان المطلع على القلب سبحانه وتعالى قد فضحه فى الدينا فى قوله تعالى( ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام ) ولاحظ المغزى وراء قوله تعالى( الحياة الدنيا) وليس الاخرة وعلامات الايمان كما قلنا تتضح فى الوجه عذد وجود الشفافية اللازمة كما يتضح الانفعال بالغضب ولذلك قال تعالى ( تعرفهم بسيماهم) وقال ايضا ( وجوه ناضرة الى ربها ناظرة)
الايمان ما وقر فى القلب وصدق بالعمل
والقلب كذلك له حظه من الشهوات فالهوى هو انحراف بالقلب نحو التهلكة وهذه المرحلة لاتأتى الا بعد ان يتمكن المرض من القلب ولذلك قال تعالى( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض ) فى الآيات الموجهة الى نساء النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهن الى نساء المؤمنين- والذي في قلبه مرض وهو مرض الشهوة فإن القلب الصحيح لو تعرضت له المرأة لم يلتفت إليها بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه فإذا خضعن بالقول طمع الذي في قلبه مرض و القرآن شفاء لما في الصدورمن هذا المرض ومن سواه .
وكذلك كان للقلب حظه من الزنا فالعين تزنى وزناها النظر والقلب يزنى وزناه الهوى والاشتهاء وهذا هو المرض الذى يستبد بالنفس الضعيفة التى لايحلو لها الا ما حرم عليها! .
--------------------------------------------------------------------------------
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق